الأحد, 31 يوليو/تموز 2011 وردتني هذه الرسالة عبر نظام النصوص القصيرة على هاتفي المحمول يوم أمس، وها هي تصلني اليوم عبر البريد الإلكتروني، وتضامنا مع حملة الشباب العماني لمساعدة الجوعى والمنكوبين في الصومال فها أنا أنشرها .
حيث تقول الرسالة: " بمباركة الهيئة العمانية للأعمال الخيرية وبجهود أهلية سيتم جمع التبرعات العينية ( النقدية لا تقبل ) لضحايا الجفاف والمجاعة في الصومال ابتداء من يوم السبت 30 يوليو وحتى 20 رمضان تقريبا بجانب مسجد عقيل بصلالة الشرقية (تقبل المواد الغذائية طويلة الصلاحية، والفرش والبطانيات والملابس المعدة بطريقة لائقة )" للاستفسار 99492845 أحمد ،99492966 محمد ، 99696333 عبدالله، 99493100 سعيد. يقول الله تعالى:" وما أنفقتم من شيء فإن الله يخلفه " । ويقول في موضع آخر:" وما تنفقوا من خير فلأنفسكم وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله وما تنفقوا من خير يوف إليكم وأنتم لا تظلمون " ويقول رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم" انفق بلال ولا تخش من ذي العرش إقلالا" । وقوله صلى الله عليه وسلم " ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما اللهم أعط منفقا خلفا، ويقول الآخر اللهم أعط ممسكا تلفا " انتهت .
وقد وجدت تفاعلا استثنائيا على صفحة الفيسبوك التي أنشأها الشباب العماني لجمع التبرعات وإغاثة إخواننا في الصومال والقرن الأفريقي حيث بدأ الشباب عمليا بجمع التبرعات وطرحوا الكثير من المقترحات التي من شأنها أن تحقق أكبر قدر ممكن من المساعدات العينية والنقدية। وقد طرح أحد المشاركين فكرة غاية في الروعة وهي " أن يقوم الشباب العماني بتشكيل لجنة لمخاطبة أثرياء السلطنة للتبرع في هذه الحملة "। وبغض النظر عن كثرة هذه الأفكار الرائعة وتزاحمها فإن الذي يثلج الصدر هو التفاعل الواضح والتحرك السريع لهؤلاء الشباب لإغاثة إخوانهم المنكوبين الذين باتوا على حافة الهاوية تلتهمهم الحرب الضروس والجوع والتشرد وانفلات الأمن। حيث تقول تقارير الأمم المتحدة أن المهددين بالموت جوعا يبلغ الملايين وأن المساعدات المعلنة حتى الآن لا تغطي أكثر من 1% من هولاء وهذه أرقام مرعبة ..
شبابنا ليسوا بأثرياء ولا رجال أعمال، بالكاد يكونوا موظفين ينتظرون رواتبهم نهاية كل شهر ليقوموا بتوزيعها خلال يومين أو ثلاثة على متطلبات الحياة التي نعلمها جميعا، ولسنا بحاجة هنا لتفصيلها। بل إن بعضا من هؤلاء الشباب لازالوا يبحثون عن عمل وليست لديهم أية دخولات شهرية। ولكن هؤلاء وهؤلاء " فتية آمنوا بربهم " وهبوا لنجدة إخوانهم، وإن بعدت بينهم المسافات وفرقت بينهم ।
إن المثل الذي يقول " مصائب قوم عند قوم فوائد " دائم التكرار في حياتنا . وعلى الرغم من أن التفسير الشائع "للفوائد" يقصد به في المجمل الفائدة المادية التي يجنيها البعض من كوارث الآخرين إلا أنني أضيف أن الفائدة معنوية أيضا وتأتي وفق مفهوم آخر بعض الأحيان। ما أقصده أن البعض منا قد تأخذه مشاغل الحياة والتسويف إلى حد "نسيان" فعل الخير، ومساعدة المحتاجين، فتأتي هذه النكبات لينتفض معها مستعيدا إنسانيته المجبولة على الخير، ويهب لإنقاذ الأرواح ويعطي عطاء من لا يخشى الفقر، وهنا تتحقق الفائدة وهي الأجر العظيم والثواب الجزيل المرتجى من هذا العمل। وفي الأثر أن رجلا دخل الجنة بسقيه لكلب كاد أن يموت من العطش فما بالكم بإنسان مسلم قد أكرمه الله ونفخ فيه من روحه وأمر الملائكة الكرام بأن " يقعوا له ساجدين".
وقد يأتي رمضان، ويغادر في لمح البصر دون أن يتصدق أحدنا ولو بريال واحد مؤملا نفسه بأنه سيتصدق في نصف الشهر ثم في العشر الأواخر ثم في ليلة السابع والعشرون ثم في الليلة الأخيرة التي يتعلل فيها بأن هلال العيد قد سبقه، ولم يكمل الشهر الفضيل 30 يوما فيلقي اللوم على الذين أعلنوا دخول أول أيام شوال، وحرموه من الصدقة في آخر ساعات رمضان وهذه سانحة قليلا ما تتكرر، وذلك أن الله تبارك وتعالى يقول في الآية 32 من سورة المائدة " من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً، ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً " .
وقداستغاث بنا إخواننا، وهم في أمس الحاجة لمد يد العون وفضل إغاثتهم وإعانتهم عظيم عند الله حيث يقول الله في كتابه العزيز " ﴿وَمَا أَنفَقْتُم مِّن نَّفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُم مِّن نَّذْرٍ فَإِنَّ اللّهَ يَعْلَمُهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ {270} إِن تُبْدُواْ الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاء فَهُوَ خَيْرٌ لُّكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ {البقرة/270 - 271} " .
ثم إن هذه الاستغاثة أتت في شهر رمضان الكريم الذي ترتفع فيه النافلة إلى مقام الفرض، وتتضاعف فيه الحسنات إلى سبعين ضعفا، والله يضاعف لمن يشاء। وكثيرا ما يتسابق أهل الخير للنيل من هذه الجوائز الربانية يقول رب العزة "وما أنفقتم من خير فهو يخلفه وهو خير الرازقين " سبأ 39 ।و يقول تعالى: "خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها" التوبة-103। وفي حديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال " ما نقص مال من صدقة "وروى الترمذي أن الرسول صلى الله عليه وسلم حين سئل أي الصدقة أفضل؟ قال"صدقة في رمضان ".
دعونانشد على أيدي هذا الشباب الرائع الذي يتمتع بقيم إنسانية سامية، ويعيش بهمة عالية متجاوزا واقعه غير متعللا بظروفه الصعبة واحتياجاته الضرورية، وهيا بنا نساهم في إنقاذ ملايين الأنفس من البشر، وذلك بأن يحول الأثرياء والتجار بعضا من أموال زكاتهم، وصدقاتهم لهؤلاء الذين انقطعت بهم السبل، وإن يستقطعوا نزرا يسيرا من موائدهم الرمضانية التي تذهب يوما بالأطنان إلى صناديق القمامة، ويحولوها إلى مساعدات عينية أو نقدية لهؤلاء .
وهذا لا يعفي أي منا في المساهمة في هذه القضية الإنسانية بحجة أننا لم نمتلك الملايين بعد । فعذر مثل هذا هو أقبح من الذنب . والعمل الخيري والتطوعي يحتاج إلى المبادرة والمشاركة ولو بأقل القليل، أفلا يستطيع الموظف العادي أن يساهم بعشرة ريالات لإنقاذ روح طفل أو أم قد فقدت زوجها وأهلها . أفلا نستطيع " نحن العامة" أن نتخذ هذا العام قرارا بأن لا نرمي شيئا من موائد رمضان إلى القطط والكلاب، وأن نتبرع بنصيب القمامة لبشر حياتهم مشروطة بمساعدتنا لهم . نستطيع ونستطيع ونستطيع .... إذا أخلصنا النية، وعقدنا العزم ...واعترفنا بإنسانيتنا.