يتميز كل بلد من البلدان بعاداته وتقاليده التي تشكل سمته الثقافية والاجتماعية ، وعلى الرغم من أن هذه العادات تكون منصهرة في التفاصيل الدقيقة لحياة المجتمع وفي كل تصرفاته إلا أنها لا تتضح بصورة جليه إلا في المناسبات العامة كالزواج والأعياد وغيرها.
وللزواج في ظفار الكثير من الطقوس التي تميزه عن باقي المناطق الأخرى فالدعوة هنا لا تقتصر على أشخاص معينين فحسب بل هي دعوة عامة والوليمة للجميع ، حيث تنصب خيمة الأعراس في المكان المعروف ويحضر إليها الأقارب والقبيلة وأهل المنطقة والمارين وغيرهم.
كانت الأعراس ما قبل السبعين وبعده بقليل محدودة العدد خالية من أي تعقيد أو تكلف، فلم تكن تزيد الوليمة في أكثر حالات الترف على رأس بقرة وجراب تمر، ثم أتت فترة الثمانينيات والتسعينيات التي أصبحت الأعراس فيها موسمية ومعقولة العدد أما الآن وقد كثرت أعداد الناس فقد طالت الأعراس كل أسابيع السنة، فلا يكاد يمر خميس إلا ويحضر كل منا عرس أو إثنين أو ثلاثة أو أكثر.
ونتيجة لهذا لم يعد المدعوون يتريثون قليلا ليشاركوا أهل الفرح وجبتهم السخية إنما يكتفون بمضغة حلوى وفنجان قهوة ثم يستأذنون للذهاب إلى العريس الفلاني والثالث وقد يصلون إلى عشرة أو أكثر في اليوم الواحد.وتأتي النتيجة الطبيعية لعدم مشاركة أغلب الحاضرين حفل الغداء هذا بأن ترمى أكوام كبيرة من اللحم والأرز في أقرب صندوق قمامة.
ومن العادات الطيبة في الزواج عادة (المغبور أو المصابحة) وهي أن يتعاون الناس مع العريس الذي تكلف الكثير فيساهم كل بحسب قدرته المادية ووجاهته الإجتماعية بمبلغ من المال يبدأ من عشرة ريالات إلى مئة ريال وقد يزيد ويصل إلى الألف . وبهذه الطريقة يتوفر للمتزوج مبالغ كبيرة تتراوح بين ثلاثة آلاف كحد أدنى إلى عشرة بل عشرين وثلاثين ألف بحسب تواصله هو مع المجتمع .
ولكني أرى أن الناس قد بدأو يستغلون هذه الخصلة الحميدة في ما لا طائل منه ، فما دامت القضية على حساب المجتمع لماذ لا يتم التباهى في إعداد الولائم وتجهيز غرف العرسان وشراء الأطقم الغالية الأثمان وغيرها من (الخرابيط ) التي يخرج معها العريس في نهاية المطاف مثقلا بالديون وتذهب معونات المجتمع سدى إلى جيوب شركات الأثاث ومحلات الديكورات والمطاعم .
وكنت أسمع في صغري أن العروس ستزف على (ثوب الأربعين) الظفاري الجميل ثم غالوا الناس في سعره حتى بلغ المئات ثم الآلاف ولم يتوانى البعض أخيرا في الترحاب بالفستان الشبه عاري - دونما خجل أو حياء - و استئجاره لساعة أو ساعتين بخمسمائة ريال أو أكثر، ناهيك عن سعره الخيالي في حالة الشراء.وكان جهاز العروس لايزيد على قليل من الثياب والعطور والبخور الظفاري ثم تطورت المسألة إلى أن بلغت عشرات الآلاف لدى بعض المبالغين.
وكانت (المزهبة ) وهي التي تقوم بتزيين العروس تحضر إلى البيت بنفسها ثم تبدل الأمر إلى الكوافير الذي لم يعد يقتصر على العروس بل أصبحن يشاركنها في هذا كل (الحاضرات) النساء اللاتي يحضرن العرس على الرغم من تكلفته الباهضة وخاصة كلما زاد عدد الحاضرات من البيت الواحد وإستمرت الأعراس كل الأسابيع .
وللكوافير هذا قصة غريبة حيث ستضطر زائرته إنتظار الدور من السادسة صباحا الى السادسة مساء أو أكثر أو أقل وترك بيتها وأطفالها على ذمة الجدة أو الشغالة أو الجيران إذا دعت الضرورة، ثم لا يكون لها نصيب من حضور الفرح إلا ساعة خاطفة لا تشعر فيها بسرور ولا سعادة وذلك لأنها قد قضت يومها كاملا في المكان الخطأ . ورغم أن هذه العادة الدخيلة لازالت في بدايتها إلا أن النساء أنفسهن يطلبن النجدة للفكاك منها وتنتظرن قرار إجتماعي رجالي جرئي وصريح في هذا الجانب.
وكان المهر بضعة مئات ثم أصبح عشرات الالاف وكأننا في سوق للإماء. وكان عقد الزواج في المدينة مرة في الشهر فأصبح ثلاثين في الشهر فأنت بين خيارين أما أن تحضر يوميا وتهمش كل أعمالك أو تحضر عقدا وتتجاهل آخر فتطيح في مطب إجتماعي من العيار الثقيل. كل هذا يحصل والكل ينتقد ويلعلع ويشكو من الحال . لكن أين من يتجرأ على المجتمع ويكسر حاجز الصمت ويركن المجاملات المقيتة على جانب ويدعوا لتنظيم المسألة .
إن الإستمرارية في السكوت على هذه المغالطات الإجتماية من شأنه أن يثقل كاهل المجتمع بالديون ويقلل من نسبة الشباب المقبلين على الزواج وبالتالي تزيد نسبة العنوسة التي بدأت تظهر على السطح ومن شأنه أن يجر المجتمع إلى إنحرافات لم يكن يعرفها وكان بإمكانه تلافيها وعدم الوقوع فيها لو كان أهل الشور فيه أهل خير وصلاح.
ومع ترحيبنا بفكرة صندوق الزواج المطروحة حاليا فإننا نؤكد أنها لن تؤتي ثمارها الطيبة مالم يعالج المجتمع اخطائه الغائص فيها حتى النخاع.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق