الإسكان الريفي
منشور في الرؤية مايو2012
كتبت فيما سبق مقالين عن الإسكان الريفي أحدهما في جريدة الوطن والآخر في الرؤية وقد مرت علي أوقات وددت أن أثلث بثالث إلا أنني إستثقلت على القراء تكرار هذا الموضوع ،ولكن هذه القضية تأبي إلا أن تطل علينا وتطفوا على السطح بين الحين والاخر فنضطر إلى مناقشتها مرة ثالثة وقد تكون عاشرة أو مئة أو إلى ما لانهاية .
إن الحديث عن هذا الموضوع يشعرك بعدم الراحة أو بالغرابة عن هذا الزمن ، فالعالم من حولنا يناطح أفلاك السماء و يكاد يصل إلى أعلى درجات العلم والتقدم البشري بينما لم نبرح نحن (حوش الإسكان الريفي ). هذا الأمر الذي أفسد على الناس نفوسهم الطيبة بسبب غياب العدالة الإجتماعية و أفسد عليهم بيئتهم الطبيعية بسبب الصرف العشوائي بآلاف الأمتار بعيدا عن التجمعات السكانية فبات يساهم في قضية التصحر والقضاء على الغطاء النباتي والغابات الرعوية بشكل واضح .
ذكرنا فيما سبق ونكرر الان لعل الذكرى تنفع المؤمنين أن القرار الوزاري رقم 3 /2003 م .الصادر من مكتب وزير الدولة ومحافظ ظفار ينص على أن المواطن الذي لا يقل عمره عن خمسة وعشرين عاما والمتزوج أو المعيل الوحيد لأسرتة والمقيم في الجبل يحق له الإنتفاع بقطعة أرض سكنية بمساحة (1400) متر مربع تخصص (500) منها للسكن و(900) كحضائرللمواشي ،كما ينص على تشكيل لجان فرعية برئاسة نواب الولاة تجتمع أربع مرات سنويا لدراسة الطلبات المقدمة على أن تقوم هذه اللجان برفع الطلبات إلى اللجنة الرئيسية برآسة نائب المحافظ التي يجب أن تجتمع مرتين خلال العام للبت في المواضيع المرفوعة إليه .
هذا قرار وزاري وتلك لجان شكلت لمتابعة طلبات المواطنين وصرف أراضي الإنتفاع للمستحقين مع التوجيه بعدم التعقيد وذلك تطبيقا لشعار تبسيط الإجراءات الذي يرفعه مكتب المحافظ والمعلق على جدران و ممرات دائرة تنظيم الإسكان الريفي ، إلا أن الأمر جاء عكس ذلك تماما خلال السنوات الماضية ولا يزال أكثر تعقيدا وأقل تبسيطا .
في الإسكان الريفي حقائق واضحة للقصورالإداري لا بد وأن يطلع عليها القراء الكرام أهمها أن آلاف الطلبات المستحقة للصرف تائهة بين مكتب سعادة نائب المحافظ و مكاتب الولاة ونوابهم ودائرة تنظيم الإسكان الريفي منذ عشرات السنين فيما تمر طلبات آخرين بسرعة البرق ويظل المحرومين ينتظرون الفرج من الله بين ذهاب وزير ومجيئ آخر ، وقد أدت هذه المسألة إلى تفاقم الوضع بصورة غير مقبولة بتاتا .
وفي مقال نشر بجريدة عمان يوم 2 مايو يشير الكاتب محاد المعشني أن بعض المتنفذين "إستحوذوا على آلاف الأمتار المربعة تصل إلى مئات الالاف رغم أن القانون لا يجيز الحصول على اكثر من 1400 متر وأن البعض حصل على ملكيات في حين أنه لا يوجد في قانون الإسكان الريفي ما يمنح الملكية إنما مخطط للإنتفاع بالأرض" . وهنا نطالب مكتب المحافظ باسترجاع المساحات غير القانونية والملكيات.
وتدور في هذه الآونة أحاديث شائكة في هذا السياق ، وهي ملفات ليست بالجديدة ولكنها تفتح بين وقت وآخر ، فهناك منطقة " دلتا" الواقعة شمال مسرح المروج بسهل إتين والتي تم حصر الحالات المسجلة فيها رسميا منذ سنوات إلا أن من يطلع على كشوفات البلدية سيجد إستمرار ضم أناس جدد لهذه القوائم ممن لا تنطبق عليهم الشروط بل إن هناك من يتحدث أن بعض المسؤولين الحكوميين لديه مساحات كبيرة مرقمة من قبل بلدية صلالة في حين كانت دائرة المخالفات بالمرصاد لأبناء المنطقة طيلة السنوات الماضية رغم أحقيتهم بالسكنة دون غيرهم فأين هي من الآخرين والمتنفذين . وهنا أيضا نطالب بالتحقيق في هذا الأمر .
وقضية مشروع مطار صلالة لا تقل غموضا عن سابقتها ففي الوقت الذي قرر مكتب المحافظ تعويض مربي الإبل عن أماكنهم التي يسكنونها منذ أكثر من ثلاثين سنة والتي أتى عليها مشروع المطار وقيام المكتب بتحييد طلبات هؤلاء المواطنين إلى أضيق حد وذلك بتقليص عدد الأراضي إلى 150 قطعة في حين أن المستحقين أكثر من هذا العدد بكثير ، لم يتم الإنتهاء من هذا الموضوع المطروح منذ أكثر من سنتين على الرغم من علم مكتب المحافظ أن عدم الإسراع في إنهاء هذا الملف يعني نزول هؤلاء المربين إلى مساكنهم بحلول الخريف بعبارة اخرى أن آلاف الجمال ستسرح وتمرح في سياج مطار صلالة . فمتى سيحصل هؤلاء على تعويضاتهم ؟ وما الفائدة المرجوة من تأخيره كل هذه المدة ؟ ولمن ستصرف بقية الأراضي في المربع الذي سيتم فيه التعويض هل لبقية المستحقين من هؤلاء أم لغيرهم من المتنفذين ؟
في مارس الماضي حكمت محكمة القضاء الإداري لصالح أحد المواطنين في ولاية رخيوت بعد أن عطل طلبه لعدة سنوات دون وجه حق وهكذا في كل نيابة على طول ظفار وعرضها قضية وألف قضية شاك ومشتك ، و الصبر يكاد ينفذ . فمن المسؤول عن هذا ؟
السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح ، لماذا كلما غادر الوزير المحافظ يترك حملا ثقيلا لخلفه إسمه " الإسكان الريفي" . هل وصل الخلل الإداري بالدولة إلى حد أن يتعاقب على المكتب خمسة أو ستة محافظين ولا يزيد احدهم عن سلفه إلا بتوقيف الصرف إلى إشعار آخر تتخلله الكثير من التجاوزات وهل إختزلت الدولة كل إهتمامات سكان المحافظة في هذا الأمر بعينه أم أنها لازالت تضع بعض الحسبان أن هناك طموحات وأبعاد أخرى لهم في هذا الوطن .
وهنا لا أبرئ المواطن نفسه من الإسهام في تعقيد المسألة ، فهو لا يسمح لجاره ببناء جدارا تارة ما لأنه يضايق عليه وتارة أخرى يدعى أن هذه المساحة لإبنه الذي لم يولد بعد ومرة ثالثة يجهر بطمعه على رؤوس الأشهاد ولا يقبل أن يشاركه أحد في هذا الطين الذي سيؤول إليه يوما من الأيام وإن طال به الزمن .
فما الحل ياترى إذا كان سرطان الفساد قد إستشرى في هذه القضية إلى أبعد حد هل تسمح ميزانة الدولة بأن نرسل "مكتب المحافظ بمواطنيه "إلى ألمانيا للعلاج .أم ماذا عسانا فاعلون ؟إن الحل الأمثل في هذه القضية يتمثل بحسب رأئي فيما يلي :
1- أن يوضع تصريح معالي وزير الدولة ومحافظ ظفار الأخير "بأن الصرف في السهل والجبل سيكون وفقا للأولوية والحالات الإنسانية " موضع التنفيذ ويكون واقعا ملموسا وهذا ما يأمله عامة المواطنين من الوزير الجديد .
2- لابد أن يتخذ مكتب المحافظ إجرءات عاجلة بضرورة صرف الطلبات المستوفية للشروط في مكاتب نواب الولاة وذلك لعدم وجود أسباب حقيقة وراء هذه العرقله وإلا فما الداعي لإستقبال هذه الطلبات وركنها في الأرفف عشرات السنين .
3- على مكتب المحافظ أن يقوم بمراجعة ملفات الأراضي المصروفة بطرق غامضة وإستعادة ما ثبت صرفة بطرق غير قانونية وتوقيف الصرف لغير ساكني المنطقة أو النيابة التي ستصرف فيها الأرض.
4- و نؤكد على ضرورة مراعاة الجانب البيئي والذي بدى تجاوزه جليا في الاونة الأخيرة .
5- ويحتم علينا واجبنا الإجتماعي أن ننصح الشيوخ بمناقشة هذا الأمر كل مع رعيته بأن يتعاملوا بروح السماح والإيثار وقبول الاخر وأن يتجنبوا التعصب القبلي والتشنج الذي لن يجدى نفعا مع أناس يسكنون معا على قول المثل"عيش وملح" لمئات السنين .
6 ونختم بدعوة أصحاب السعادة أعضاء مجلس الشورى متابعة هذه القضية كل في ولايته وطلب نسخ من قوائم الأراضي ودراسة أحقية صرفها من عدمه حتى تكون الحقائق واضحة للجميع وأقترح عليهم إقامة ندوة بعنوان "الإسكان الريفي واقعه ومستقبله وحلوله وآثاره الأخلاقية والإجتماعية على أبناء المحافظة". فقد آن الآوان أن تكشف هذ ه الخبايا والأسرار !
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق