موسكو... الأربعاء, 21 مارس/آذار 2012
أعلن الطيّار بداية النزول التدريجي، طلب من الركاب ربط الأحزمة ،أنزل عجلات الطائرة استعدادا للهبوط، أخذت أنافس إبنتي ذات الأربعة أعوام على النافذة التي سيطرت عليها طيلة الرحلة، فظفرت بمشهد رائع لغابات الثلج قبل أن تلامس الطائرة القطرية المدرج الثلجي لمطار ميدودوف. كانت الساعة تشير إلى الرابعة عصرا. ودرجة الحرارة 2 تحت الصفر.
أعلن الطيّار بداية النزول التدريجي، طلب من الركاب ربط الأحزمة ،أنزل عجلات الطائرة استعدادا للهبوط، أخذت أنافس إبنتي ذات الأربعة أعوام على النافذة التي سيطرت عليها طيلة الرحلة، فظفرت بمشهد رائع لغابات الثلج قبل أن تلامس الطائرة القطرية المدرج الثلجي لمطار ميدودوف. كانت الساعة تشير إلى الرابعة عصرا. ودرجة الحرارة 2 تحت الصفر.
حملنا حقائبنا اليدوية وفي باب الطائرة انحنى لنا الطاقم مودعا وشكرناهم بدورنا على حسن المعاملة والخدمات المتميزة، وعبر الخرطوم المخصص لخروج المسافرين وجدنا أنفسنا في المطار مباشرة دون الحاجة إلى انتظار الدرج والانتقال بالباص। فقد تمّ اختصار الأمر الذي لازال من طقوس السفر العتيدة في عمان.
بمعيّة المسافرين نزلنا السلم المكوّن من درجتين ثمّ تحولنا يسارا في الممر "مع الجماعة " قبل أن تشير علينا إمراة خمسينية بلزوم يسار اليسار لتخليص معاملة الدخول وختم الجوازات.
لم أفهم شيئاً مما تقول إلا كلمة "باسبورت" وقد حدثت نفسي بأنّه قد يكون هذا من أوائل الدروس الاشتراكية التي تعطى لمن حل ّضيفاً جديداً على عاصمة الاتحاد السوفيتي السابق.
توجهنا إلى كابينة ختم الجوزات، لم نلمس ترحيبا من ضابط الجوزات الشاب ذي النجمتين ولا من زميلته في العمل والرتبة ،قد يكون ضغط العمل هو السبب، فالمسافرون هنا بالملايين، وقد يكون عامل اللغة، فهم لا يتحدثون إلا لغتهم فقط. وقد يكون السبب سحنتنا السمرواية التي قاربت على السواد بانعكاسها على بياض الثلج والناس .
أثناء التدقيق على الجوزات الثلاثة والتي أخذت ما يقارب النصف ساعة، كان الشخص الذي سيستقبلنا يقف أمامي لا يفصل بيننا إلا الحاجز المتنقل المستخدم لتنظيم الصفوف في المطارات ،كان بدوره يقوم بترجمة بعض الأسئلة الموجهة إلينا من الضابطين .
عرّفنا الأخ علي شعبان على نفسه، موظف محلي، مسؤول العلاقات في السفارة العمانية وقد حضر إلى هنا بتعليمات من نائب رئيس البعثة، حمدا لله على السلامة، استلمنا ممراً إلى اليسار لمسافة عشرين مترا قبل أن نصل الصالة المكتظة بعالم المسافرين الذين يننتظرون أخذ حقائبهم من على السير الكهربائي المخصص للأمتعة. لم ننتظر كثيرا كما يحدث في مطاري مسقط وصلالة. أقل من 5 دقائق وصرنا نجر حقائبنا باتجاه القادمين .قبل أن نتجاوز نقطة تفتيش طلب منا الأخ علي أن نستمر في نفس الاتجاه وسيضطر هو للخروج من باب آخر حيث لا يسمح له بالخروج من هذه النقطة إلا إذا كان قادماً من السفر. في اللحظة التي تجاوزنا فيها النقطة كان يلوح لنا بيده بين صفوف المستقبلين ،استلم الحقائب وأخذنا معا نركض خلفه.
بعد مسافة قليلة كنا في نقطة الجمارك، مصعد زجاجي متوسط يتسع لخمسة مسافرين وحقائبهم يرفعك طابقين أو ثلاثة لا أذكر على الدقة، وبمجرد انفتاحه على الناحية الأخرى يكون البرد أول المرحبين لولا أن سبقه على شعبان .
لم تكن المرسيدس ملكية اللون المخصصة لاستقبالنا بعيدة عن مبنى المطار، بالكاد تبعد30 مترا ، فهي بانتظارنا في مواقف الـ VIPالضيقة القريبة من المدخل والتي لا تشير من بعيد أو قريب أنّها مخصصة لعلية القوم، لم يشكل لنا البرد عائقا، إنما شعرنا معه ببعض الإنتعاش ، سنقطع المسافة بين المطار والبيت الذي سننزل فيه ضيوفا (أو أصحاب الدار إن شئت) في ساعة إلا ربع حيث أنّ الوقت ليس بوقت ذروة فقد كانت الشوارع شبه خالية، وذلك أنّ اليوم السبت 7/1/2012 اليوم السابع في إجازة الكريسماس .كما أنّ التوقيت الآن الرابعة مساء تقل فيه الحركة بشكل إعتيادي .
أصبح المطار خلفنا الان ، الشوارع هنا فسيحة جدا وجنباتها المنبسطة بالثلج أكثر فسحة، فيما تشكل الغابات المكتظة لأشجار الصنوبر ذات الإرتفاع العالي والمغطاة بالثلج على طول الطريق منظرا كالحلم !
رحب بنا مرة أخرى مؤكدا أنّه بانتظارنا منذ أربع ساعات وفق الموعد الأولى للوصول قبل أن يتغيّر موعد الإقلاع من قطر حيث إن اهتمام القائم بالأعمال في السفارة لم يكن ليدع له مجالا للتأخر قليلاً مهما تكن الظروف، فهذه هي المرة الأولى التي أراه يزيد في اهتمامه المعتاد بضيوفه عشر درجات أو قل مئة إن شئت، ثم استطرد سائلا بلهجته الحلبية، شو الود لي بينكونن عمي؟
أجبت: زملاء في الابتدائية، في الجامعة، ومن أسرة واحدة. وقد يكون التقارب في الأفكار هو الحلقة الأقوى في سلسلة الروابط هذه .
بسرعة لا تقل على مائة وعشرين كيلومترا في الساعة كانت المرسيدس تنساب باتجاه مركز المدينة، الأمر الذي تجاوزت معه بروتوكول الضيافة سريعا وتدخلت مع الأخ علي بضرورة خفض السرعة فلا داعي للاستعجال حتى لا تتحول سيارتنا إلى كتلة ثلج ... وهو ما لم يستطع مضيفنا الاستجابة معه بشكل كلي، فقد تعود على هذا النوع من السرعة وفي ظروف أسوء مما نرى!! على حد تعبيره .
دخلنا أطراف العاصمة، المعمار الأوربي الشرقي شاهد هنا، بنايات ضخمة ذات نوافذ ومشربيات متناسقة ومداخن تشيئ بالقدم والتاريخ، سقفها القرميد بمختلف ألوانه يعلوه الثلج ،باختصار صورة إبداعية عنوانها هندسة الثلج !!!
كانت الساعة تشير إلى الخامسة، لم يكن من وجود للشمس اليوم بينما يوشك الليل على بسط ردائه في الوقت الذي اقتربنا فيه سكن نائب السفير العماني ،لمحنا العلم العماني من بعيد، فالسفارة تقع في عمارة ضخمة مكونة من ستة طوابق وفيها يقع بيت السفير ونائبه .
علمت لاحقاً أنّ هذه البناية من البنايات المسجلة في التراث المعماري لمدينة موسكو حيث أنّها تأسست منذ عام 1912م ولكنّها لازالت محافظة على قوتها وجمالها وقربها من الكرملين, مقر الحكم الروسي ورمز القطب الثاني لزمن الحرب الباردة. أوقف أبو شعبان السيارة في القبو المخصص لها. رحب بنا للمرة الثالثة، أخرجنا حقائبنا. طلب لنا المصعد . ضغط على الزر المؤدي إلى الدور السادس، وفي لحظات كنا في ضيافة الأخ مانع وعائلته .
كان ترحيبا حارا، حارا، حارا... أحسسنا معه أنّ موسكو دافئة خالية من الثلج!
وللحديث بقيّة ...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق