من أنا

صورتي
صلالة, محافظة ظفار, Oman
قال تعالى"وجعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا" صدق الله العظيم.سورة البقرة 143

الأحد، 12 يونيو 2011

فكر الأب ومستقبل الإبن

منشور في الرؤية ،الأحد, 29 مايو/آيار 2011

كنت منتظرا في أحد أروقة مستشفى السلطان قابوس بصلالة منشغلا بكتابة مقال عن الوضع التعليمي الحالي والتحصيل العلمي المتدني. لاحظ الرجل الذي يجلس بجانبي إنهماكي في الموضوع وعدم إلتفاتي للآخرين. سألني بأدب جم. ما الذي يشغلك عنا هكذا يا ولدي ؟أجبته بأنني ألملم مقالا عن التعليم الأساسي في السلطنة. لم أكد أنهي إجابتي حتي رأيت مسحة حزن على محيا الرجل، ثم أخذ يسترسل في الحديث عن الفرق بين تعليم الأمس واليوم . يذكر الرجل الذي تلقى تعليمه في سعيدية صلالة، المدرسة الوحيدة آنذاك جزالة العلم الذي كانوا يتلقونه نهاية الخمسينات وبداية الستينيات من القرن الماضي، كيف كان المعلم وافر العطاء ومنهلا حقيقيا للعلم، وكيف كان الطالب حاضر العقل والبديهة نبيها لا يكاد يتم السنتين الدراسيتين حتى يصبح كاتبا متميزا وقارئا بل وخطيبا بارعا، ثم كيف كان ولي الأمر حريصا ومتعاونا وأبا لجميع الطلبة وليس لابنه فقط، لقد كان كل من هذه الأطراف يؤدي دوره على الوجه الأكمل على الرغم من قلة الموارد المتاحة والظروف الإقتصادية الصعبة. وفي هذا السياق الذي يركز فيه الرجل على الأهمية القصوى لدور الأب وأن فكره سينعكس على أداء الابن وسيحدد بلا شك مستقبله فيما بعد، يروي لي هذا الخبير التربوي كما اسميه قصة غاية في الأهمية، يقول بعد سنوات من تخرجي من السعيدية وبنهاية السبعينيات كنت أعمل مديرا لدائرة الأشغال التابعة لمكتب الوالي بظفار فزارني في المكتب الشيخ/عوض بن سالم الرواس أحد كبار السن الذين أكن لهم كل إحترام وتقدير. فرح لي كثيرا وبارك لي بالوظيفة، وقال لي كلاما لايزال راسخا في ذاكرتي، قال يا ولدي لقد فاتنا نحن الكبار قطار التعليم، ولكن أوعدك "بلحيتي هذي" - وهي عبارة تستخدم للتأكيد على الوفاء بالوعد- أوعدك تشوف أولاد عمك كلهم دكاترة، يقصد أبنائه. مرت الأيام والسنوات وتغيرت الأحوال وكثرت المدارس وإلتحق بها كل الناس. وأصبح الجميع يقرأ ويكتب، ولكن ماذا عن الشهادات العليا وماذا عن وعد الشيخ الذي قطعه على نفسه دون طلب من أحد؟ لم يكن ذلك الوعد - يستطرد الرجل- مجرد كلاما عابرا أو حماسا آنيا، ولكنه كان تعبيرا صادقا وإيمانا نابعا من القلب، ولهذا كان من المنطقي أن يفي الشيخ بوعده وأن أرى أبنائه يحملون شهادات الدكتوراه ويعتلون أفضل المناصب في المؤسسات الحكومية، فأحدهم يحمل شهادة الدكتوراه في علم الكمبيوتر وهو يترأس إحدى الشركات الكبرى في السلطنة حاليا وآخر دكتوراه في الهندسة برتبة عسكرية عالية فيما يحمل الإثنين الآخرين دكتوراه في الطب وهما من الأطباء المرموقين في السلطنة. وفي جانب آخر يتحدث الرجل والذي يترأس مجلس أولياء أمور المدرسة السعيدية بكل أسى عن الدور الضعيف لكثير من أولياء الأمور حاليا ورميهم بالحبل على الغارب تاركين كل شيء للمدرسة غير آبهين بمصير أبنائهم وهو أمر تظهر نتيجته المرة بكل قوة في إهمال الكثير من الطلبة وعدم إكتراثهم بالدراسة رغم توفر كل الموارد وأحدث الأجهزة. من خلال هذا الحديث ذي الشجون الذي دار بيني وبين الشيخ سالم بن أحمد الغساني المستشار حاليا بمكتب وزير الدولة ومحافظ ظفار يتضح لنا الفكر النير والعزيمة والإصرار الذي اتسم به ذاك الشيخ الكبير الذي عوض فوات الفرصة عليه في أبنائه فأصبحوا جميعا من حملة الدكتوراه وتقديره على كبر سنه لقيمة العلم وأهميتة ويظهر لنا بالتالي النتيجة الحتمية لهذا الفكر. كما يتبين لنا الحرص الذي يحمله محدثنا والهم الذي يعيشه تجاه أبنائه الطلاب والمسؤولية التي تقع على عاتق الأب في تحفيز إبنه وتوجيهه إلى المسار الصحيح الذي يستطيع من خلاله تحقيق النتيجة الطيبة والهدف المرتجى من العملية التعليمية . أما أن يكون فكر ولي الأمر سطحي لايتعدى توفير إحتياجات المطبخ وآخر موضات اللبس ثم يخرج هاربا من البيت إلى حيث يسهر ليلا مع أصحاب لا يطيقون الحديث فيما له نفع بمستقبل أنفسهم أو أبنائهم، فليس من الغرابة أن يأتينا طالب في الثانوية لايعرف شيئا إلا شراء اللوحات المزخرفة من الخطاطين والمكتبات هذا ناهيك تماما عن الضعف الشديد في الكتابة والقراءة الصحيحة وهما الركيزتان الأساسيتان للعلم.

ليست هناك تعليقات: