قابلت زميلا منذ ما يقارب الشهر ، سألني عن رأي في إعتصام ظفار ، أجبته بأنني لم أعد مؤيدا لإستمراره بعد أن جاء وزيرا العدل كمبعوث للسلطان الى ساحة الاعتصام في صلالة وأنني عبرت عن رأيي هذا في الصحف، لم يتواني هذا الزميل في منحي لقب الخيانة أنا وغيري ممن يحمل مثل هذا التوجه . حاولت عبثا ان أقنعه بأن يقبل رأيي " كرأي آخر" إلا أن محاولتي كانت فاشلة . وحين قبض على بعض المعتصمين ليلة الخميس الماضي وتضامنا مع زملائه حضر أخينا صباح الجمعة إلى الميدان ليركب في الحافلة المتجهة الى سجن رزات إلا انه عدل عن فكرته في اليوم التالي عندما سمح لهم بالخروج مبررا موقفه بأن بقائه في السجن وهو غير مطلوب من قبل الجهات الأمنية ليس له أية قيمة ، بطبيعة الحال منح اللقب "الخيانه" من قبل بعض المؤيدين خارج بوابة السجن . شخصيا لم أشكك في وطنية الشاب وقدرت له تفسيره للموقف رغم التشدد الذي بدر منه تجاهي .
في السياق ذاته كنت قد قابلت أحد الأقارب فذكرت له موقفي هذا ، تغير لون وجهه وأظهر إمتعاضا من رأيي بل وصرح بأنه من العار أن أكتب ضد توجه المعتصمين ولكنه إحترم رأيي أخيرا على مضض بحكم شخصيته السمحة وقد يكون بحكم القربى.
لا يخفى على أحد أن الإعتصامات كان لها الدور الرئيسي في التغيير الذي نشهده حاليا في عمان وأن الريادة تحسب للمعتصمين الأوائل ثم الذين ساندوهم لاحقا وأنه لولا هذه الإعتصامات لما تحقق للمواطنين الكثير من مطالبهم التي ينادون بها منذ عشرات السنين ، ولكن الخطأ الذي وقع فيه بعض المتشددين هو إصرارهم على عدم قبول أي رأي لا يتوافق طرحهم بالنص .والخطأ الأكبر فيما أرى هو تفويتهم للفرص الذهبية التي جائتهم على اطباق جاهزة للخروج باعتصامهم بقوة يحسب لها ألف حساب وبقرراهم أنفسهم مع الإحتفاظ بحق العودة في أي زمان ومكان وليس بتدخل الجيش كما حصل للأسف الشديد .
وهكذا بدى حال الإعتصام والمعتصمون في الفترة الأخيرة ، ما أن تعلن الحكومة إستجابات جديدة إلا وتقابلها إنسحابات من قبل المعتصمين وهو الأمر الذي أدى إلى تناقص أعدادهم بنسبة تزيد على 70 في المئة بحسب مشاهداتي . وأصبحوا القلة القليلة بعد أن كانوا الكثرة المهيمنة.
المتابع لهذه القضية يلاحظ بروز فكر "الأنا " بقوة فكثير من المعتصميين تشددوا في ارائهم ولم يقبلوا أي رأيا آخر وما عدا ذلك فلقب الخيانة جاهز "من البعض وليس الكل" بالمجان ، وبهذا فانهم يتحملون جزء من المسؤولية وذلك لعدم تحليهم بروح المرونة من بعيد أو قريب وبسبب "مط الإعتصام" أكثر من اللازم . وهكذا عزف المطالبين بحرية الرأي على ذات الوتر الذي عزف عليه من ذي قبل الذين حاولوا تغييب المواطن عن الساحة وحرمانه من حقوقه من وزاراء فاسدين وغيرهم وذلك بتعظيم كل ما هو حكومي.
والذي أود أن أختم به مقالي أننا نعيش عمان جديدة فعلى الحكومة أن تقر بأن الإعتصامات هي صاحبة النقلة النوعية في هذه المرحلة وعلى المعتصمين أن يثمنوا تجاوبات السلطان تجاه شعبه . وعلينا أن نعي جميعا ونعمل - حكومة وشعبا – على مبدأ قبول الاخر ونبذ ثقافة الإقصاء التي كانت سائدة . فلكل منا فردا وقبيلة الحق في إعلان رأيه صراحة من الإعتصام سواء بالموافقة على إستمراره من عدمه بعيدا عن التشدد والتطرف في الرأي وبعيدا عن مصطلح التخوين الذي لا وجود له في حقيقة الأمر لأننا لسنا في حروب وجبهات قتالية مع عدو خارجي وإنما نحن في معالجات وطنية بحتة ستعود بالنفع على الوطن بلا شك .
ولا بد ان ننوه أن الحل العسكري وفض الإعتصام السلمي بالقوة امر مرفوض مرفوض مرفوض .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق