منشور في الرؤية اليوم
مثل مستشفى السلطان قابوس بصلالة في العام 1974 صرحا صحيا حديثا فلم يكن مستشفى بتلك السعة والضخامة متوقعا حتى من أكثر الحالمين من أبناء المنطقة . فمن علاج بدائي يرتكز على الكي في مجمله إلى مبنى عصري وأسرة طبية وأدوية وغرف للعمليات وغيرها من إحتياجات المرضى. قام المستشفى بدوره على الوجه الأكمل ،فهو لازال جديدا والسكان قليلون وكان كل شئ يجري على أفضل حال . بمرور السنوات بدأ الأمر يختلف فالمراجعين أخذوا يكثرون والأقسام بدأت تمتلئ والطاقم الطبي صار مزحوما وإنعكس هذا كله على خدمات المرضى .
وعلى الرغم من التطورات التي شهدتها السلطنة على مختلف المستويات الإقتصادية والإجتماعية والتعليمية والخدمية والصحية إلا أن نصيب مستشفانا لم يكن بالوفرة التي تتماشى مع كثرة السكان من مواطنين ومقيمين ومتطلباتهم وخاصة في العشر سنوات الأخيرة والتي برز فيها التراجع في أداء المستشفى بشكل ملحوظ .
بدا العمر الإفتراضي للمستشفى في العد العكسي وأخذ سقفه يتهاوى على الأطباء والممرضين والمرضى والمراجعين . طالت مواعيد مقابلة الإخصائيين و إكتظت أقسامه وضاقت غرفه وباتت أسرته وفرشه باليه ،قلت جودة ونوعية الأكل المخصص للمرضى .
لم يعد الطبيب يعير المريض إهتماما فساعات عمله طويلة وطاقاته محدودة والمرضى في إزدياد ولم يعد يحتمل كل هذا فقل ادائه وانعكس هذا على المريض فأحس بالتهميش وعدم المراعاة فصار كسير الخاطر وطالت مدة تعافيه .
إهتزت ثقة المريض بالمستشفى وكادره الطبي فتجد غالبية المرضى واقاربهم يبذلون قصارى جهدهم ليتم تحويلهم إلى احد مستشفيات العاصمة مسقط وإن كانت الحالة الصحية لا تستدعي ذلك احيانا ، فيما شعر الطبيب بالإحباط بسبب التشكيك في قدراته وخبرته وهو احرص ما يكون على سلامة مرضاه وسمعته العلمية والمهنية .
في مستشفانا لا يتقيد أحد بمواعيد الزيارة فحارس الأمن يواجه هذه التجاوزات كل دقيقة أثناء ساعات الدوام الرسمي في النهار وفي الليل . ولم تستطيع الإدارة أن تضبط هذا الأمر وبهذا تتحول أروقة المستشفى إلى ساحات هرج ومرج لاتمت للطبابة بصلة من قريب أو بعيد .
السجلات الطبية ليست بأفضل حالا، فقسم النساء لا يعمل على الأغلب ويتم توجيه المراجعات لإستخراج الملفات من قسم الرجال فتكون النتيجة إزدحام غير مبرر ! وللصيدلية نصيبها من هذا المعضلة وكثيرا ما يوجه الصيدلاني المرضى لشراء الدواء من صيدلية مسقط لأنها غير متوفرة وخاصة إذا كانت ذات جودة عالية أو باهضة الثمن . ولجناح الولادة طيلة السنوات الماضية حكايات وحكايات من كثرة الإزدحام وقلة في الإهتمام نتمنى أن تنتهي مع غرفة الولادة التي تم تجهيزها مؤخرا.
أما الطوارئ فحدث ولا حرج فهو عالم آخر من ضيق في المبنى وإكتظاظ في الحالات وتمسك في الروتين الممل والمقيت . فعندما تحضر إلى الطورئ لا تنتظر مساعدة أحد المعنيين بالإسعاف ، بل إسعف مريضك بنفسك ، إبحث له عن كرسي متحرك ولن تجده على أغلب الأمر لأن عددهم إثنان أو ثلاثة ثم إرجع واحمله على كتفك وضعه على أحد الأسرة ثم أبدأ رحلة البحث عن الطبيب المناوب " الوحيد " وأطلب منه المساعدة مرة أولى وثانية وثالثة مع نبرة حادة وصوت عال . وانت محظوظ إذا لبى الطبيب طلبك لأنه مشغول بحالات كثيرة قد سبقتك إلى هذا المستشفى الذي يقرب وصفه إلى الميداني وليس المرجعي !
وقد يعطل الطبيب فحصك لدقائق أخرى لأن النظام يقتضي أن تحضر له ما يثبت انك قد انهيت فحص حرارة الجسم وضغط الدم الذي تقوم به إحدى الممرضات في مدخل الطوارئ ولا يهم إن كان عشرات المرضى يقفون على رأس هذه الممرضة "الوحيدة " أيضا ويحجبون مدخل الطوارئ لأنهم لم يجدوا مكانا غير هذا !
بعبارة أدق وأشمل يمكننا القول أن القاسم المشترك في هذا المستشفى هي "المعاناة " فالمبنى يعاني من الشيخوخة وقلة الصيانة والمريض من الآلام وقلة الرعاية ، والطبيب من ضغط ساعات العمل وقلة الثقة ورجل الأمن من عدم تقيد الزوار بقوانين ومواعيد الزيارة . وكل هذا يقع على رأس الإدارة والتي لم يعد لها حولا ولا قوة في الأمر.
عندما نطرح مثل هذا الواقع لا يعني أننا ننكر جهود وزارة الصحة في إستحداث المراكز الصحية في مختلف المناطق ودور هذه المراكز في التقليل من الإزدحام على المستشفى الرئيسي ثم الشروع في بناء وحدة القلب والرنيين المغناطيسي الجاري تنفيذها وإعلان الوزارة في أغسطس الماضي من خلال مدير عام الصحة بمحافظة ظفار بناء المستشفى الجديد وفق أحدث المواصفات العالمية بطاقة إستيعابيه عالية وبأدق التخصصات .
ولكننا ندعوا كل الأطراف - وزارة الصحة ، إدارةالمستشفى ، المواطنيين ، والأطباء ، وكل من له علاقة - أن تساهم قدر ماتستطيع في إعادة بناء الثقة لهذا المستشفى ولكادره الطبي والإداري وان نعمل معا كي يقدم خدماته على افضل ما يكون إلى حين إحتفالنا بالمستشفلى الجديد بعد خمسة اعوام بإذن الله.