قرأت ذات مرة أن إحدى المجلات العربية نشرت في أحد أعدادها تحقيقا صحفيا يعالج ظاهرة التسول في البلد الذي تصدر فيه المجلة ، وقد كلفت معدة التحقيق بإنتحال شخصية إحدى المتسولات لمدة شهر كامل للتعرف على مدى حاجة المتسولين والدخل الذي يجنونه جراء هذا التصرف.
في نهاية الشهر نشرت الصحيفة تحقيقها المثير الذي يشير إلى أن أغلبية المتسولين ليسوا من الفقراء المعدمين وإنما أناس إتخذوا من مد اليد إلى الغير مهنة وحرفة يجيدونها ، والأكثر إثارة أن الصحفية وجدت أن حصيلة ما جنته خلال هذه العملية يفوق راتبها الشهري بثلاثة أضعاف .
ظاهرة التسول هذه منتشرة في كثير من البلدان ولم نكن نعرفها من قبل ولكنها بدأت تظهر في مجتمعنا بشكل ملحوظ .
لست أنا الأول ولن أكون الأخير في طرح هذا الموضوع ،فقد تحدث عنه الكثير من الزملاء وأعطوه حقه في المعالجة وإقترحوا الكثير من الإقتراحات العملية لحل هذه المشكلة الاجتماعية.ولكني وددت المشاركة لأنني رأيت وأرى مع بداية كل خريف المتسولين من الجنسيات العربية يسرحون ويمرحون يجوبون الشوارع ويدخلون البيوت والأحياء السكنية بعد أن احصوا المساجد والمقابر وعدوهن عدا.
لا أقول أنني ضد إعانة المسكين والفقير والمحتاج ولكنني أتسائل عن هذا الشخص المجهول والغير مواطن الذي أخذ لشهور وسنوات يتمركز في موقع معين لم يعد يتحرك منه ليلا أو نهارا وإلى أين ستذهب هذه الأموال التي يجمعها. لماذا لا نجد من ضمن المتسولين أحد الأجانب الآسيويين الذين تكتظ بهم مدننا ؟ أليسوا فقراء ؟ لما لا نجد حالة واحدة لمواطن ؟ ألا يوجد في عمان من هو بأمس الحاجة إلي يد العون ؟ وغيرها ألف وألف تساؤل ؟
نحن هنا لا نشجع على البخل والتمنع عن مساعدة من ضاق بهم الحال ، ولا نطلب من هذا المجتمع الأصيل أن يتخلى عن صفة الكرم التي طالما إتصف بها ، إلا أننا نرى بأن الأقربون أولى بالمعروف ، فقريبك الفقير أولى وجارك المحتاج أولى وهكذا ، وفي الحديث الشريف أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال " ليس المؤمن من بات شبعانا وجاره جائع " .
دعونا نناقش المسألة بصدق وواقعية ، ألا ترى معي أخي المتصدق أن هناك فرق بين إدخال السرور إلى قلب طفل يتيم تعرف حاله أو إبن لقريب تعلم ظروف والده الإقتصاديه القاهرة أو لأحد أبناء جيرانك المعدمين ، وبين أن ترمي خجلا من جلسائك على طاولة المطعم مبلغا من المال لشاب أو شابة من "الشحاتين" تشكك أنت في نواياه أصلا ، ثم لا تلبث أن تكيل عليه الإتهامات وعلى الجهات المختصة التي تركت الموضوع يتمادى إلى هذا الحد.
ولهذا فإننا نطالب أن تقوم وزارة التنمية الإجتماعية بتحمل مسؤوليتها وتفعيل القانون المعني يهذه الظاهرة وان تقوم بدورها الفعال في هذا الجانب وان تتابع حالات هؤلاء المتسولين ومعرفة أحوالهم وظروفهم المعيشية والتنسيق مع الجمعيات الخيرية والمؤسسات الحكومية والخاصة للمساعدة في القضاء على هذه الظاهرة الغير مرحب بها.
كفى الجهات المسؤولة تجاهلا لهذه القضية ، عليها أن تتكاتف جميعا لإيجاد حل عملي وحقيقي لها ثم إن عليها تطبيق العقوبات الصارمة على المخالفين !!!
ولا تكرهوا الناس في الصدقة وإعانة المعوزيين . فأنتم مساءلين بعد أن كنتم مسوؤلون .