الى معالي/ وزير الدولة و محافظ ظفار الموقر
الى معالي/ وزير البيئة والشؤون المناخية الموقر
الى معالي/ وزير السياحة الى الموقر
إلى معالي / المفتش العام للشرطة والجمارك الموقر
إلى سعادة/ رئيس بلدية ظفار المحترم الموقر
إلى صاحبة السمو/ رئيسة جمعية البيئة العمانية الموقرة
إن الإهتمام السامي بالبيئة أمر له شهرته على الصعيد العالمي ولعل تخصيص جائزة السلطان قابوس لحماية البيئة في العام 1989خير دليل على هذا الإهتمام . ولا يخفى على أحد اهتمام صاحب الجلالة بالقضايا البيئية المحلية على إختلافها وإمتدادها في السلطنة ككل . وعلى الرغم من هذا الإهتمام الذي نشهده على أعلى مستوى في الوطن إلا أن هذا لا يعني وجود بعض التقصير في تنفيذ وتفعيل السياسات والتوجهات البيئية نتيجة للظروف والصعوبات التي قد يواجهها أي بلد . وفي هذه العجالة سنشير إلى الإخفاق الواضح في حماية البيئة أثناء موسم الخريف في محافظة ظفار.
لقد كتبنا في موضوع تخريب الأعشاب والمراعي من قبل بعض السواح والتجاوز الواضح للقانون في هذا الجانب من خلال الإستخدام السيئ السيارات في القمم والسهول .كتبنا في هذا الموضوع مرار وتكرار ، ولكننا كمواطنين وصحفيين ومهتمين بالبيئة لم نلقى آذان صاغية أو جهات داعمة "وكأننا نؤذن في مالطا" كما يقول المثل . أو كما يقول الشاعر " وما أسمعت لو ناديت حيا ... ولكن لا حياة لمن تنادي " .و لقد عايشنا طيلة السنوات الماضية تجاهلا مخجلا في هذه القضية !
إن تجاهل "مكتبنا المحافظ "و"بلديتنا التابعة له" ثم الوزارات المعنية لهذ الأمر يثير التساؤلات ويبعث على الإستغراب، فهي تتفرج على ما يتم من إسفاف بالطبيعة وتخريب للبيئة من قبل بعض المستهترين والمستهزين بهذا الوطن "بمواطنيه وأرضه " المطمئنين " بأنهم لن ينالوا أية عقوبة تردعهم ، عدا المخالفة المرورية التي لا يكاد يوقع عليها ويقر بها المخالف حتى يعود إلى فعلته المشينة ، هذا ناهيك عن تجاهلها للخلافات والمشادات الكلامية التي تحتدم بين السكان وبين هؤلاء المستهترين سنويا بسبب عدم تقبل هؤلاء المخربين لنصائح المواطنين .وقد وصلني ليل الخميس الماضي كما يصلني كل خريف أن عراك بالأيادي والعصي وقع بين بعض السكان في جبل إتين وبعض السواح الذين نصحوهم الشباب بعدم تخريب الطبيعة بسياراتهم فقابلوا النصيحة بالاعتداء وذلك لعلمهم أن الجهات الرسمية لن تحرك ساكنا في هذا.
إن كافة مناطق السلطنة المختلفة والمنتشرة على الخارطة من أقصى نقطة في الشمال إلى أقصى نقطة في الجنوب والتي تنعقد تحت لواء "وطنا " تحكمه قوانين وانظمة يكون فيه لكل مؤسسة وفرد حقوق وعليه واجبات جديرة بأن تستظل بهذا اللواء وتشد على الساعد الذي يرفعه.أما ان يطبق القانون وفق المصلحة الشخصية في قضية ما وتغيب المصلحة الوطنية في قضية ثانية فإن قوة القانون وتنفيذه ستضعف إلى الدرجة التي تضع المواطن العادي في المحك للوقوف في وجه من يعتدي على أرضه سواء كانت جبلا أو سهلا أو ساحلا أو مدينة أو صحراء أو سماء حتى.
أبعاد القضية
إن المسألة ليست بالتفاهة أو السذاجة التي ينظر إليها البعض بأن "سكان الجبل " أو مربي الثروة الحيوانية " هم المتضررين الوحدين من هذه التجاوزات !!! لا لآ .لآ بل هي أبعد من ذلك بكثير فهي ذات:
أبعاد أخلاقية شرعية
وذلك ان ديننا الحنيف يأمرنا بالمحافظة على الأرض التي نعيش عليها وأن لا نعيث فيها فسادا ।يقول الله تعالي في كتابه العزيز:
- "أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّاثُمَّ شَقَقْنَا اْلأَرْضَ شَقًّا فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا وَعِنَبًا وَقَضْبًا وَزَيْتُونًا وَنَخْلاً وَحَدَائِقَ غُلْبًا وَفَاكِهَةً وَأَبًّا مَتَاعًا لَكُمْ وَلأَنْعَامِكُمْ" (سورة عبس: الآية 25-32).
- وتوعَّد الله الذين يفسدون في الأرض بالوعيد الشديد، ونعى عليهم هذا المسلك المذموم، "وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي اْلأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الْفَسَادَ" (سورة البقرة: الآية 205).
- ونهى عن الفساد في الأرض، وعاب على أهله فعلتهم، وإن زعموا أنهم يصلحون "وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُوا فِي اْلأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ" (سورة البقرة:الآية 11).
وفي الحديث النبوي أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "ما من مسلم يغرس غرسا أو يزرع زرعا فيأكل منه طير أو إنسان أو بهمة إلا كان له به صدقة"। فكان الأحرى بنا إذا لم نساهم في الغرس والزرع ان لا نعتدى على ما وهبنا الله إياه من نعمة دون أن نبذل فيها جهدا بدنيا او خسارة مالية .
وقد رفعت إحدى الوزارات في السنوات الماضية شعارا جميلا و يقول " قطعك لشجرة يحتاج إلى دقائق ولكن نموها يحتاج إلى سنوات " وهذا ينطبق بحذافيرة على العشب فهو من الشجيرات الصغيرة .
أبعاد إجتماعية
لأهل ظفار عشق بهذا الجبل وإرتباطهم به غائر في التاريخ فالجبل بالنسبة إليهم هو الحياة والإقتصاد ، هو صومعة التفكر في الخلق والكون ، ملهم الإبداع والفن والشعر والكرم والجود ، يرحبون فيه بالضيف وعابر السبيل ، يحلبون النوق ويذبحون الذبائح ويقدمون فيه أفضل ما لديهم ويخالطون الغريب ويحمون فيه الخائف و لهم فيه حكايات وحكايات .
فإذا كان هذا هو الجبل قد فرش هضابه وردا وبسط وديانه زلا أخضرا وإنهالت سواقيه من أحضان الطبيعة ترقص طربا للزائر العزيز، كان من باب أولى أن يقدر هذا الضيف "السائح " هذا الترحاب . وإن تجاوزنا هذه المسألة وقلنا أن الضيف لم يعد بحاجة إلى من يضيفة كان الأجدر بالسائح الكريم أن يستحضر في ذهنه المثل القائل " ياغريب كن أديب " وأن يحترم قوانين البلد وعادات المجتمع ويستمتع بالخريف والرذاذ وفق مقولة " تنتهي حريتك عندما تبدأ حرية الآخرين " . أما أن يأتي سائحا في يدة حفنة من الريالات وفي الأخرى إسفافا بالأرض والخلق كما يفعل البعض منهم .أقول البعض وليس الكل . فلا وألف لا ! فلا زلنا نعتقد أننا عرب أقحاح ومجتمع أصيل لن يتنازل عن ثوابته في سبيل لقمة عابرة.
أبعاد بيئية
هي قضية من الدرجة الأولى ،حيث تشكل المراعي نسبة كبيرة من الغطاء النباتي في الجبال والسهول في ظفار . وكلنا على علم بالتدهور النباتي ومشكلة التصحر التي تعاني منها السلطنة بشكل عام وظفار بشكل خاص لأسباب يمكن القول أنها خارج السيطرة بدرجة كبيرة . فكيف نسمح نحن ونساهم في هذه المشكلة العويصة بالتفاقم بالتفرج على حرق السيارات لهذه الأعشاب والنباتات الصغيرة التي إنتظرت الموسم بفارغ الصبر . ونقضي عليها في لمح البصر ، والأدهى من هذا أن المكان الذي تتحرك فيه السيارة في فترة الخريف سيحتاج الى عامين او ثلاثة لإستعادة عافيته ان كتب له ذلك وذلك لأن وزن السيارة سيعمل على تغويص العجلات لمسافة عميقة كون التربة تكون لينة وهشة جراء سقوط الأمطار المستمر .
أبعاد سياحية
لقد أصبحت محافظة ظفار قبلة العشاق وملاذ الهاربين من لهيب الصحراء اللافح واخذت وزارة السياحة تفتخر بالأرقام المسجلة لعدد زوار الخريف سنويا حيث بلغ عددهم أكثر من ربع مليون سائح 2010 وبطبيعة الحال إنعكس هذا الأمر على الحركة الاقتصادية من تأجير للشقق وللسيارات وبيع للعقارات ونشاط في الأسواق وكان لسياحة المؤتمرات ظهور ملفت في السنتين الأخيرتين وقد جنت صلالة العام الفائت مبلغ يقدر ب 23 مليون ريال عماني ولكن السؤوال الملح جدا ؟ إذا فتحنا أبوابنا للسياحة هكذا على مصراعيها دون ان نضع الضوابط العملية لها . ؟ هل ستستمر السياحة بزدياد ؟
أقول : إذا كان النيل يعد بمثابة القلب والروح النابض لمصر . فإن الجبل يمثل ذات القيمة لظفار ، وبتفصيل قليل أؤكد أن مئات الالاف التي تزور المحافظة سنويا ليس لها مقصدا إلا واحد لايقبل الزيادة . وهو " الجبل بسهله ورذاذة وعشبه وضبابه وجوه اللطيف ونسيمه العليل وجمالياته الأخرى " .
فما إن يستأجر السائح شقته ويضع أمتعته حتى ينطلق في السهول والجبال باحثا عن المغامرة سارحا وحالما في ضباب الخريف الذي يستمد منه شعورا لا يوصف يصل به حد السحر و يجمح به إلى الخيال .
فاذا إستقطعنا وقضينا بأيدينا كل سنة على بقعة خضراء . كم من الجبل سبقى وكم من العشب سينمو ؟ وكم سائحا سيأتينا ليسجن نفسه في شقة ضيقة كان قد فر هاربا منها ف بلده .
وليس السهل ببعيد عنا والتجربة السيئة خير برهان على تفريطنا فيه بعد ان تركناه نهبا للمخيمات التي تفترش ألاف أمتار الرمل والإسمنت وغيرها من المواد التي تمنع العشب من النمو تماما وتركناه عرضة للسيارات فأصبح أثرا بعد عين . سهل أجرد لا يقتات منه حتى الطير بعد ان كان جنة خضراء كثيفة النبات متشابكة الأغصان . أفلا نعتبر يا أولي الأبصار !!!
أبعاد إقتصادية
كما أشرت أن المراعي وهو ما يقصد به في ادبيات وزارة الزراعة"الأعشاب والشجيرات الصغيرة " تشكل النسبة الأكبر من الغطاء النباتي في المحافظة وتعتمد عليها الحيوانات وخاصة الأبقار كمصدر رعي وغذاء رئيسي . حيث أن نمو هذه الأعشاب بشكل مكثف يساهم في تقليل شراء الأعلاف المصنعة الغالية الثمن الى أبعد حد الأمر الذي ينعكس تلقائيا على أسعار اللحم المحلي والسمن البلدي ويساهم في وفرة الألبان . وبطبيعة الحال إن الجميع يدرك الأهمية الأقتصادية لهذه الأعداد الهائلة لهذه الثروة . ومدى إرتباط أسعارمنتجاتها بتوفر الحشائش من عدمها . كما ان الجبل ينتج موسميا أنواع مختلفة وبكميات جيدة من المزروعات وكان يمثل الرافد الإقتصادي فيما قبل النهضة ويعد الان حارسا عتيدا في الأمن الغذائي لمدينة صلالة وغيرها من الولايات الأخرى في المحافظة فلماذا نتجاهل هذه القضية ؟!؟!!
إن الأمر يا أصحاب المعالي ويا من له ضمير حي قد بلغ حده الأعلى فكل سنة نسمع بمشادات عنيفة بين أهالي هذه المنطقة أوتلك وبين بعض السواح المعتدين على البيئة والمناطق السياحية والرعوية التي تشكل في معظمها فناء أو حرما للمساكن في الجبل.وأجزم أن إيجاد حل لهذه القضية المزعجة ليس بالأمر الصعب أو المكلف ماليا ، ولا يحتاج في مجمله إلا إلى بعض التنظيم ، ولهذا فإننا نختم حديثنا بهذه المقترحات التي نرى أنها ستشكل حلولا آنية ومستقبليه وعمليه في الوقت عينة وهي :
1 – أن تقوم بلدية ظفار بداية من اليوم بتسيير دوريات لمراقبة المخربين والمعتدين على الطبيعة كحل سريع وآني .
2 أن يتم تسليم هؤلاء العابثين إلى شرطة عمان السلطانية وأن يعاقب المخالفين بالسجن والغرامة المالية بحيث يكون المخالف عبرة للآخرين .
3- أن تقوم البلدية بالتنسيق الفوري مع النيابات في المناطق الجبلية كونها ذات العلاقة المباشرة بالقضية وهي مستعدة للتزويد بالمتطوعين .
4- على وزارة البيئة والشؤون المناخية إصدار القوانين الصارمة في هذا الشأن أو تفعيلها إذا كانت قائمة مع التشديد على العقوبات .
5- على بلدية ظفار تفعيل قانونها الخاص بهذه القضية
6- وعلى السياحة أن تجد حلا سياحيا لهذا الأمر وأن تستفيد من المشروع الجمالي الذي نفذته في عين دربات والذي حول الموقع إلى حديقة طبيعية غناء بحيث تقوم بتسييج المواقع ذات الكثافة السياحية العالية في مختلف المناطق الريفية ليتمكن السائح الدخول الى هذه الأماكن مشيا على الأقدام مع تخصيص مواقف للسيارات .
7 - على هذه الجهات التنسيق فيما بينها وأن تكثف حملاتها الإعلامية في الإهتمام البيئي من خلال كافة وسائل الإعلام وخاصة التلفزيون وأن توضح العقوبات الصارمة للمخالفين من خلال المنافذ الجوية والبرية.
8 - يمكنني القول أن معظم سكان المحافظة وخاصة الشباب "متطوعين في البيئة" ولايخفى على أحد دورهم في تنظيم المواقف في المناطق الجبلية بحيث يبذلون سنويا جهودا واضحة وذلك باستخدام الحجارة لإيجاد مواقف مناسبة للسيارات للتقليل من هذه المشكلة. وبما أن هؤلاء قد تطوعوا بوقتهم وجهدهم كان الأجدر بوزارة البيئة وبلدية ظفار أن تساندهم كمتطوعين وتنظمهم في برنامج عملي يعود على البيئة والوطن والمواطن بالفائدة القصوى . لا ان تتجاهلهم تماما.
9 – بما أن هولاء الشباب يقومون بجهود قيمة للمحافظة على البيئة فإنني أدعوهم للإنضمام إلى جمعية البيئة العمانية وذلك لإستفادة من برامج الجمعية في العمل التطوعي البيئي .
إن الأمر لم يعد مقبولا وقد " وصل السيل الزبى" . وبما أننا مواطنين نعيش على هذه الأرض الطيبة فنحن نطمح بل نرى بضرورة أن تستصدر الجهات المعنية القوانين الصارمة التي من شأنها أن تحد من هذه التجاوزات . أما أن يحصل هذا التغافل الصارخ من قبل الجهات الرسمية وتحميل المواطن كل تبعات السياحة ومساوئها . فاننا لم نعد نحتمل أن يتاجر أحدا بالسياحة على حساب أرضنا وبيئتنا وأخلاقنا وأوضاعنا الإجتماعية .
ان تحرير مخالفة بعشرة ريالات لشخص دمر البيئة وعاث في الارض فسادا لن يجدي نفعا ولن يحمي أرضا ولن يسر خاطرا لمواطن .فكيف بالله عليكم ان يحول انسان مستهتر الارض الخضراء التي انتظرها كل الخلق من "تراب وشجر وحيوان و آوادم" ، يحولها الى صحراء قاحلة بسبب التفحيص بالسيارات ونتفرج عليه وكأنه يزرع أرضنا عشبا أخضر وياسمينا مزهرا بحجة واهية وهي " لا نؤذي السائح ".
إذا كانت السياحة ستدمر بيئتنا وتتخطى عاداتنا وأعرافنا وستكون وبالا علينا أغنانا الله عنها ونقولها "بالفم المليان " لا مرحبا بالسياحة ... وإن قيدت هذه السياحة بضوابط وقوانين لا تجحف في حقنا كمواطنين نحن مستعدون لتحمل ضريبتها ونكون مخطيئين إذا قلنا بغير هذا القول.