كنت واحدا من الملايين الذين تابعوا خطاب الرئيس حسني مبارك إلى آخر لحظة مؤملا نفسي أو حالما بأن تقتحم الرجل ذرة من إيمان أو هبة من نخوة أو إنكار للذات ولو للحظة واحدة يعلن خلالها تنحيه عن الرئاسة حقنا لدماء المصريين وحفظا لبعض من بقايا ماء وجه. ولكن خيالي كان ضحلا إلى حد بعيد.
وقد أرهبني المشهد المخيف لهتاف ملايين المصريين الرافضين للخطاب فور إنتهائه مباشرة . لم يهز هذا الهتاف ساحة ميدان التحرير فحسب ولكن صداه إرتمى إلى كل أركان المعمورة . لقد جاء الخطاب مخيبا لآمال 80 مليون مصري تجاهل فيه حسني مبارك المطلب الرئيسي للشعب وحاول أن يدغدغ مشاهر الجماهير عن طريق إعطاء خلفية عن سيرته الذاتية العطرة. ولكن الأمر كان قد فات ولم يعد للعاطفة مكان في قلوب المصريين .
لم تكتفي الخمسة ملايين أو السبعة أو الثمانية من المتظاهرين كما أشارت بعض المصادر بتجاهل خطاب الرئيس بل زاد هذا الخطاب من حنقهم على مبارك ونظامه بدرجة لم تصل إليه من قبل . وهكذا نرى كلما تحدث الرئيس كلما ثار الشعب أكثر وزاد غليانه .
لقد فقد نظام حسني مبارك شرعيته الشعبية ولم يعد يتمتع بأية قاعدة يستمد منها قوته كرئيس دولة ولو فرضنا في أسوء الأحوال أن هذا الطاغية رفض التنازل عن السلطة إلا بعد إتمام ولايته الحالية وهو أمر أشبه بالمستحيل في ظل هيجان شعب النيل فلن يكون أكثر من صنم جاثم على صدور المصريين معطلا لمسألة التغيير التي يعد بها.
إن عبارة (لم أكن أنتوي الترشح لفترة رئاسية جديدة)التي سمعناها جميعا من الرئيس مبارك تذكرني بعبارة سلفه وأخيه الأصغر بن علي للشعب التونسي(فهمتكو أنا فهمتكو الان).
عجيب أمر الطغاة والمتسلطين فهم لايفهمون شعوبهم عندما تطالب بحقوقها بالحسنى . لا يفهمون هذه الشعوب إلا عندما تثور عليهم تنزف دماء أبناءها في شوارع المدن. لماذا لم يقيل حسني مبارك الحكومة الا عندما ثار الشعب ولماذا لم يطالب بتعديل دستوري ولم ينورنا بنيتة في عدم الترشح إلا في عتمة ليل أمس . ولماذا ولمذا ولمذا؟؟؟
إن شعب مصر مطالب بالصمود وستبقى مصر وسيزول شخص هذا النظام كما أشار هو في خطابه وسيغادر هذا الرجل ولكن دون حفظ لماء الوجه للأسف الشديد . بل على الأرجح سيطالب الشعب بمحاكمته على الظلم والطغيان والفساد وإذلال الشعب المصري وبيع غزة لإسرائيل وغيرها من الجرائم التي إرتكبها هو وأعوانه . لقد كان الشعب المصري طيبا وكريما مع الرئيس ولكنه لن يكون كذلك بعد هذه اللحظه كما تقول الناشطة السياسية والمدونة نوارة نجم على قناة الجزيرة في تعليقها على الخطاب .
ولتكن الجمعة الآتية جمعة الرحيل .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق