خرج الرئيس المصري حسني مبارك إلى المجهول وبلا رجعة في مشهد مهين ومذل لرئيس أكبر دولة عربية . أبى حسني مبارك أن يخرج بكرامه وأصر على مرئى ومسمع العالم أن يكرر الدور الذي أداه أخاه التونسي قبل شهر من الان.
وكغيري من الملايين تابعت خطابات مبارك الثلاثة مؤملا نفسي أن يستجيب الرجل لثورة الشعب ليحفظ بعضا من ماء الوجه ويترك للمصريين بعضا من العاطفة التي يجدونها تجاه أحد قادة أكتوبر ولكن أملي خاب ثلاثا ،فلم تأتي خطابات الرئيس إلا لتزيد الطين بله.
كانت كل التوقعات تشير إلى أن الخطاب الثالث سيكون حاسما لثورة الشباب وللرئيس مبارك الذي سيعلن فيه التنحي . إلا أنه أتى مفاجأ للجميع بما فيهم الولايات المتحدة .
تابعت عبر الجزيرة ردة فعل ميدان التحرير . كانت مهيبة ومخيفة وعفوية وكأن القيامة قد قامت. لقد خالف الخطاب تحليل المنظرين والسياسين والصحفين حتى أخرجهم عن طورهم. وفي إتصال هاتفي مع الإعلامي الشهير حمدي قنديل قال :"هتجيني السكتة القلبية " فلم يعد للرئيس أية شرعية شعبية ولكنه مصر على البقاء. كان هذا مساء الخميس.
أصيب الشعب المصري بكافة فئاته وأطيافه بخيبة أمل كبيرة فما كان منه إلا التحرك قليلا من ميدان التحرير والزحف يوم الجمعة إلى قصر العروبة بالقاهرة ومبنى الإذاعة والتلفزيون والقصر الرئاسي بالإسكندرية .
شاء الله أن يعاند مبارك ليحقق للشعب مصري صموده في الجمعة الثالثة فيدعوا عليه وعلى نظامه ملايين المصلين جهارا نهارا ولعل من بين هذه الملايين مظلوم دعوته لاترد.
وفي ظل هذا الإحباط وفي الوقت الذي لم يكن يتوقعه المصريين- رغم إصرارهم على التظاهر حتى إنتهاء الولاية الحالية لمبارك في سبتمبر المقبل- ظهر نائب الرئيس عمر سليمان على التلفزيون المصري ليعلن في خطاب مقتضب باهت أن الرئيس قد تخلى عن منصب رئيس الجمهورية وسلم مهامه للمجلس الأعلى للقوات المسلحة.
وهكذا إنتصرت الثورة وحقق الشعب مراده وأعمى الله على بصيرة الرئيس الذي حكم مصر ثلاثين عاما كي لا يستجيب لمطالب شعبه ويتنحى بعز وكرامه . وسجل التاريخ أن حسني مبارك لم يغادر سدة الحكم إلا خائفا مترقب ، سعى بكل وسيلة أن يحافظ على كرسيه الفرعوني ولم يأبه لإستشهاد مايزيد على ثلاثمائة من أبناء مصر الأحرار أو لإنهيار الإقتصاد المصري إلا أنه ضعف وإستكان أمام رغبة الجماهير وولى هاربا صاغرا كما فعل أولياء الشيطان من قبله "إن كيد الشيطان كان ضعيفا".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق