قابلت قبل أكثر من سنة من الان أحد المدونيين الالكترونيين الذين يحضون بحضور متميز ومشاركات جريئة في السبلة وفرق وغيرها . وبحكم معرفته بي ككاتب متواضع ذكر لي بأن بعض الناشطين والمثقفين في السلطنة يعملون على إعداد عريضة لرفعها الى المقام السامي بمناسبة العيد الوطني الأربعين يطالبون من خلالها صياغة دستور تعاقدي للبلاد وسيتم طرحها في منتدى الحارة العمانية للراغبين في التوقيع عليها . أخبرته بأنني ليست لدي أية فكرة عن مسألة الدساتير ولن أكون من الموقعين عليها في هذه الفترة على الأقل.
طرحت الفكرة في المنتديات الإلكترونية فوافق عليه البعض وعارضها البعض فيما إنتقدها فريق ثالث وطالب باجراء بعض التعديلات عليها وهي على هذا الحال حتى وصلت إلى صيغتها النهائية بتوقيع خمسين مثقفا بحسب أحد المصادر ومائتين بحسب مصدر آخر بعد ان كان هذا الرقم يزيد او ينقص بحسب وفق التعديلات التي تجرى عليها.
تم رفع الرسالة التي تحمل طلب تشكيل مجلس وطني لصياغة دستورتعاقدي إلى المقام السامي بتاريخ 23فبراير 2011 .حيث سلمت إلى علي بن حمود وزير ديوان البلاط السلطاني قبل إقالته من منصبه وهي متصدرة الان كمطلب رئيسي للمعتصمين في صحار ومسقط وصلالة ومجلس الشورى وغيرها من أماكن الإعتصام .لقد قفزت هذه النقطة إلى السطح بشكل ملحوظ واكتسحت المطالب الأولية التي قامت من أجلها الإعتصامات .
وكقارئ لهذا الوضع ومع عدم إنكاري للدور الذي قام به من شارك في إعداد هذه الرسالة إلا أنني أعتقد أن الذين حركوا الإعتصامات في بداية الأمر ليسوا إلا أولائك الشبان الذين ضاقت عليهم الأرض بما رحبت من شح في الفرص التعليمية والوظيفية وغيرها فركبوا القارب المناسب في الوقت المناسب للمطالبة بحقوقهم المدنية والشرعية .
ولم يكد يمر اليوم الأول لهذه الإعتصامات السلمية حتى أبدى السلطان قابوس إستجابة سريعة لمطالب الشباب فأصدر الأوامر السامية الخاصة بتوفير الوظائف ومكافحة الفساد وإقالة الوزراء ولازلنا بانتظار الكثير من المراسيم التي تحقق مطالب الشعب.
من وجهة نظري أرى أن ربط مسألة الدستور بفك الإعتصامات وإقحامها في وسط المطالبات التي تمس حاجات المجتمع الحياتية والانية فيها نوع من القفز على الواقع وذلك لأسباب عدة أهمها ان الزخم الأكبر من المعتصمين لايشكل لهم الدستور هاجسا بقدر ما يؤرقهم الفساد الإداري والمالي للدولة والذي حرمهم من أبسط حقوق العيش الكريم . ولم يتجرأ هؤلاء للتظاهر في عمان إلا عندما ضاق بهم الحال ولم يعودوا يحتملوا وضعهم المزري في الوقت الذي يسبح فيه غيرهم في ملايين الريالات من ثمن البترول الذ هو حق الجميع ، وإلا لما رأيناهم يهتفون أول ما هتفوا بالتوظيف ومحاسبة الفاسدين وسرقة المال العام .كما أن الشعب العماني وهذه حقيقة لامزايدة فيها يتفقون ويلتفون حول سلطانهم بصورة يندر أن تجدها في العالم أجمع . ثم إن إستجابته لمطالب الشعب بهذه السرعة رسخت من حبهم وولائهم له.
ولهذا إذا أتينا للحديث عن صياغة دستور هكذا على جناح السرعة ووضعه كشرط أساسي من شروط فض الإعتصامات نكون قد بالغنا من وجهة نظري بعض الشئ .دعونا واقعيين وأجعلوا من تجاوب السلطان للشعب أمرا ذا شأن يؤتي نتائجه الإيجابية المثمرة . أطلبوا مزيدا من الحرية وفرص التعليم والرعاية الصحية ومكافحة الفساد ودعونا نلتحم ونطمس ملف البحث عن عمل والرواتب الضعيفة الى غير رجعة دعونا نحقق المطالب التي نحتاجها الان في هذه اللحظة ونجعل من الدستور مشروع الشعب المستقبلي.فصياغة الدساتير وتشريعها وإقرارها تحتاج إلى مزيدا من الوقت والالخبراء وقد تحتاج إلى تضحيات لا نريد أن نقدمها الان . دورنا أيها الجيل الشاب تهيئة الأرض كمرحلة أولى وستأتي مرحلتي الزراعة والحصاد قريبا بإذن الله
ثم بعد أن تتقتح أعيننا وعقولنا إلى أبعد من لقمة العيش والسكن الملائم نتحدث حينها عن الدستور ونعرضه على الشعب الذي سيكون مهيئا لفهمه والتصويت عليه بالقبول او الرفض .
وهنا لا أنكر الجهد الذي قاموا به هؤلاء الشبان المثقفون واؤكد لهم أن التاريخ سيسجل أنهم هم الطليعة التي تجرأت ولأول مرة بالتلفظ بكلمة دستور التي لا أبالغ إن قلت أن 80% من الشعب العماني يجهل معناها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق