لم يكن يدور في بال أحد أن تفتح في عمان منابر حرة للتعبير عن الرأي بكل صراحة وجرأة أمام الجميع . كان أكثر ما يخيف العمانيين إنتقاد الحكومة من بعيد أو قريب وكان شبح الأمن والمخبرين يحضر في حال فكر أحد ما التصريح بوجهة نظر غير تلك التي تطرحها الدولة وقد يكون هذا بسبب الأوضاع التي صاحبت قيام السلطنة في بداية الأمر ولهذا ظل الناس صامتين لمدة أربعين عاما.
لقد قامت الإعتصامات السلمية ولازالت في معظم مناطق ومحافظات السلطنة مستمرة . بدأت المسيرة الخضراء في العاصمة مسقط في 18/1/2011 . وكان محركها الرئيسي الشباب من مدونين إلكترونيين و كتاب ومثقفون . كانت مسيرة سلمية تطالب باصلاحات مدنية وسياسية إقتصادية وإجتماعية وتعليمية وغيرها مرفوعةا الى جلالة السلطان . ثم أتت المسيرة الخضراء الثانية في 18/2/2011 م. مؤكدة على المطالب ذاتها وبذات الأسلوب المسالم . ثم قام إعتصام سلمي في صحار في 25/2/2011 تخلله بعض التخريب من قبل بعض المتظاهرين وقتلت فيه الجهات الأمنية المواطن العماني عبدالله الغملاسي .وقام في اليوم ذاته إعتصام في صلالة وآخر أمام مجلس الشورى.
وصلت مطالب المعتصمين الى السلطان الذي إستجاب سريعا للشباب فأصدر أوامره بتوفير 50 ألف وظيفة للباحثين عن عمل ومنح معونة باحث عن عمل 150 ريال . ثم أصدر عدد من المراسيم التي تلامس حقوق المجتمع بشكل مباشر كإنشاء هيئة مستقلة لحماية المستهلك و إستقلالية الإدعاء العام وإضافة الرقابة الإدارية الى جهاز الرقابة المالية للدولة ومنح مجلس الشورى مزيدا من الإصلاحات ثم بإقالة وزراء رئيسين في الحكومة من اهمهم وزيري المكتب السلطاني وديوان البلاط السلطاني.
إستقبل الشباب المعتصمين الذين أصبحوا الآن كل المجتمع قرارات السلطان بالشكر والترحاب ولكنهم لم يفضوا الإعتصامات ولازالت لديهم الكثير من المطالب ومن أهمها إقالة كل الوزراء الذين يتهموهم بالفساد وإيصال الوضع إلى ما هو عليه الان .
إن المتتبع لهذا الوضع يمكنه القول أن الذي حصل لم يكن ليحصل بهذه الجرأة لولا التراكمات التي إمتدت طوال العقود الماضية . لقد أصبح المواطنين في هذه الدولة البترولية القليلة السكان يعانون من كثير من الصعوبات المتمثلة في قلة الوظائف وقلة إستيعاب التعليم العالي وغيرها من الاحتياجات وتطور الأمر إلى بروز المحسوبية والفساد الإداري والإختلاسات على السطح بشكل يستفز المواطن البسيط إلى درجة الغليان .
إذن إنكسر جدار الصمت وهبت رياح التغير من الغرب العربي وبالتحديد من بلدة سيدي أبوزيد في تونس الخضراء قادها الشهيد محمد البوعزيزي لتطيح بفرعون تونس ثم بفرعون مصر ثم بفروعون ليبيا ولاشك أنها سقتلع ذي يزن في اليمن .
لقد وصلت رياح التغيير الى عمان وبقوة الشعب والسلطان هنا ستأتي على كل من كان له ضلع في خيانة هذا الوطن وسرقة أمواله وتحويل مقدراته الى جيوب أفراد معدودين تاركين الشعب يعيش على الفتات إلا من له صلة بفلان أو علان .
إننا الان في هذه اللحظة نعيش التغيير بكل ما تحمله الكلمة من معنى ولهذا يتوجب على كل واحد منا أن يتحمل مسؤوليتية الشرعية والوطنية . على المعتصمين أن يكونوا عند المسؤولية الوطنية وأن يثمنوا التجاوب السريع للسلطان في تنفيذ المطالب التي يمكن تحقيقها بشكل فوري وأن يكونوا واقعيين في مطاليبهم وان يتمتعوا بالنفس الطويل في إنتظار المطالب التي تحتاج إلى وقت ودراسة لإتخاذ القرار المناسب فيها هذا إذا كانوا على كلمتهم بأنهم مع السلطان وليسوا ضده .وعليهم أن يكونوا طرفا مفاوضا يتسم بروح الإقناع والمحاججة وعليهم الإستماع إلى أي طرف يناقش معهم مطالبهم ثم يقبلوا بما طرحه هذا الطرف أو لا يقبلون ، أما مسألة الإستهزاء بالاخرين وعدم الإصغاء إليهم فهذا أمر يتنافي مع حرية الرأي التي يطالب بها المعتصمون أنفسهم ولن يخدم الوطنية في شئ كما يملي الواجب الوطني عليهم التأكيد على مسالة الإعتصام السلمي ونبذ الدعوات الى الإضراب وأن لا يقدموا بعض الشبان المتحمسين كبوش فداء لأفكارهم الشخصية . وعلى الجميع العمل على توقيف بث الإشاعات وإستقاء الأخبار الحقيقية من مصادرها وهذا من محض الوطنية .
وعلى وزارة القوى العاملة - والمسؤولية تقع على الوزير القائم عليها بشكل خاص - أن تقوم بتوزيع الوظائف المعلن عنها على مبدأ الكفاءة وأن يتم منح الفرص المناسبة بحسب الشهادات العلمية وأن لا يتم الإتصال بأشخاص ليتوظفوا في جهات حكومية وشركات كبرى بحسب المعرفة ويوجه آخرون بنفس المؤهلات العلمية الى شركات صغيرة تمنح نصف الراتب الذي تمنحه الجهات الاخرى ونزاهة وزارة القوى العاملة هنا في المحك وعليها أن تضع 50 ألف خط أحمر تحت 50 ألف وظيفة.
كما أن الإعلام العماني وخاصة التلفزيون لازال غائبا عن هذا الحدث التاريخي ولم يكتفي بتجاهله فحسب ولكنه لجأ إلى فتح جبهة أخرى سماها مسيرات ولاء للسلطان متناسيا أو متغابيا أن المعتصمين يطالبون بحقوقهم المدنية المشروعة بيد وبيدهم الاخرى صور صاحب الجلالة والعلم العماني .
ولهذا على الاعلام التحرك السريع لمعالجة الوضع وتهدئة النفوس وطرح القضية بواقعية وبموضوعية من شأنها أن تخدم الصالح العام والوطن. وعليه أن يعلم وهو يعلم بلا شك أن تجاهل هذا الأمر بهذه الصورة سيلجئ الطرف الآخر الى الإستماع الى الإشاعات المغرضة واللجوء الى وسائل الإعلام العالمية التي قد تؤجج الوضع بحسب أجنداتها وأيديولوجياتها الخاصة . وهنا الإعلام أيضا في المحك وتقصيره في هذا الجانب يهز من ثقة المواطنين في القائمين على الإعلام.
وعلى الجميع الإعتراف بهذا المنعطف التاريخي الذي تمر به السلطنة والمساهمة في الوصول بالوطن الى بر الأمان وذلك بالإخلاص لله وللوطن وإنكار الذات وتجاوز المصلحة الشخصية الى المصلحة العامة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق